المحاكم الأميركية وحقوق الإنسان
يمكن مقاضاة أي شركة تؤثر انتهاكاتها لحقوق الإنسان في الخارج بشدة على الولايات المتحدة في أي محكمة اتحادية في البلاد فيما عدا نيويورك والدائرة الثانية من كونيتيكت. وصدور قرار في الآونة الأخيرة يعني أنها ستظل ناشزة عن بقية المحاكم الأميركية. وانقسمت محكمة الاستئناف الأميركية عن الدائرة الثانية بشدة بين أربعة أصوات مقابل ثلاثة أصوات في رفضها الانضواء تحت لواء المحاكم الأخرى. وذكر غالبية القضاة أن الأمر لا يستحق العناء بعد أن قلصت المحكمة العليا بشدة المسؤولية القانونية في القانون الدولي عام 2013. واعتقد المعارضون أن محكمة الاستئناف يجب أن تصلح ما اعتبرته خطأ حين أقرت أن الشركات لا يمكن تحميلها مسؤولية انتهاكات حقوق الإنسان في بلدان أخرى.
وعلى الرغم من أن المحكمة العليا قلصت بشدة نطاق التقاضي في حقوق الإنسان في قرارها لعام 2013، لكن الممارسة لم تمت بعد. ومسؤولية الشركات وفر واحدة من الوسائل الرئيسة للضغط داخل الولايات المتحدة من أجل احترام أكبر لحقوق الإنسان في الخارج. والدائرة الثانية هي المكان الذي ولد فيه لأول مرة تشريع حقوق الإنسان الدولي في المحاكم الاتحادية في قضية ظهرت عام 1980 تدعى (فيلارتيجا ضد بينا-ايرالا)، حيث استخدمت محكمة الاستئناف بطريقة مبتكرة للغاية «تشريع المسؤولية التقصيرية للأجانب» الذي تم سنه عام 1789. وفي عبارة واحدة فحسب ينص القانون على أن المحاكم الاتحادية يجب أن يكون لها سلطة قضائية على «أي عمل مدني من أجنبي يمثل تقصيراً في المسؤولية يُرتكب ويشكل انتهاكاً للقانون». واحتدم الجدل والنقاش بين الباحثين بشأن معنى النص القانوني. ما يعنينا هنا هو أنه في عام 1980 أقرت الدائرة الثانية أن القانون يمكن أن يستخدمه أجنبي لمقاضاة أجنبي آخر في المحاكم الأميركية في انتهاكات للقانون الدولي تقع خارج الولايات المتحدة. وهكذا ظهرت أداة أساسية لنشطاء حقوق الإنسان ليلفتوا الانتباه المحلي والدولي لانتهاكات حقوق الإنسان حول العالم.
وظلت عملية إمكانية التقاضي هذه صامدة حتى عام 2013. وما زعزعها هي النتيجة غير المتوقعة من المحكمة العليا في قضية (كيوبيل ضد رويال داتش بتروليوم) التي انطوت على قضية ضد شركة النفط الأوروبية «شل» للزعم بأنها انتهكت حقوق الإنسان في نيجيريا. وبدأت هذه القضية في محكمة جزئية اتحادية في نيويورك. والانقسام حمل القضية إلى المحكمة العليا التي من المفترض أن تقرر إذا ما كان يمكن مقاضاة الشركات بمقتضى «تشريع المسؤولية التقصيرية للأجانب». لكن بعد جدل شفهي، طلبت المحكمة إفادات جديدة بشأن سؤال منفصل وهو إذا ما كان القانون يستطيع التغلب على الافتراض القانوني ضد القوانين الأميركية المطبقة في الخارج. وفي قرار مهم كتبه القاضي انطوني كيندي، أكدت المحكمة أن تشريع المسؤولية التقصيرية لا ينطبق على التصرفات خارج الولايات المتحدة التي «لا تمس ولا تعني» الولايات المتحدة. وتركت المحكمة العليا شعاع أمل صغير أمام المدافعين الدوليين عن الحقوق الذين يريدون استخدام المحاكم الأميركية وهي النقطة المتعلقة باستثناء «تمس أو تعني الولايات المتحدة». لكن المحكمة العليا لم تكلف نفسها عناء حسم المسألة التي جاءت بها قضية «كيوبيل» في المقام الأول وتحديداً إذا ما كان يمكن جعل الشركات مدعى عليها في قضايا تتعلق بحقوق الإنسان.
* أستاذ القانون الدستوري والدولي بجامعة هارفارد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»